تعز والاحتلال التركي 2
 

محمد ناجي أحمد

في سنة 996 هجرية تمرد المساجين والرهائن المحابيس في قلعة القاهرة، بسبب ما يتعرضون له من أعمال السخرة، وتشديد القيود عليهم، والتعذيب، فقاموا برمي أحد أغوات القلعة في السد الكبير المشرف على (تربة علي بابا)، وحين عاد (سفر آغا) من الجند، ضبط المحابيس، وزاد في قيودهم، وجاء أمر الوزير في صنعاء بأن يتم إدخال المحابيس في خياش (أكياس مصنوعة من الألياف الخشنة) وإلقاؤهم من أعلى جبل القاهرة باتجاه تربة علي بابا، "فتخطفهم [في الهواء] النسور، وسائر أنواع الطيور، ومن وصل إلى القاع، افترسته السباع، وفي هذه السنة أخذ الكتخدا سنان المشهور بلاد يافع، ودخلها قهراً وأخذها قسرا، ونسف جبالها نسفا، وطفق بأهلها العاصين قتلاً وحتفاً، حتى أجافت تلك الشعاب، وشبعت السباع أعواما من جثثهم، بحسب وصف الموزعي. 
انتفضت الحجرية مرة أخرى في السنة السادسة بعد الألف للهجرة، وسيطر أبناؤها على قلعة الحجرية، في الوادي تحت يفرس (جنوب يفرس)، ثم سيطروا على صبر، بقيادة الأمير علي الشرجبي
 شيخ الحجرية آنذاك، واقتربوا من سور مدينة تعز ناحية المغربة والمداجر، وصينة، لكنهم انهزموا من شدة الرصاص المنطلق من قلعة القاهرة صوبهم. ثم تمردت الحجرية مرة أخرى بقيادة الأمير علي الشرجبي وابنه جهلان بسبب المظالم التي يعانون منها بسبب التخمين للمزروعات وخاصة (البن) وهو نفس جبل صبر.  لكن الأتراك حرضوا شيخ خدير وماوية الأمير حيدرة بن إسماعيل السلمي سنة 1027هجرية ضد شيخ الحجرية الأمير علي الشرجبي. ثم توجه الأمير (سفر) لإخضاع جبل حبشي، وخوفا من الأسر والتعذيب ألقى العديد من أبناء جبل حبشي بأنفسهم من شاهق الجبل إلى أسفله، وقد اشتركت في مواجهة الأتراك كل نواحي وعزل الحجرية، وانتهت هذه الانتفاضة بصلح وأمان أُعطي للشيخ علي الشرجبي وابنه وأفراد أسرته وتابعيه، على أن يأخذهم ويعيش في صنعاء ومعه ابنه (جهلان) مع استمرار راتبه ومقرراته وإطلاق المحابيس، وعودة مشايخ الحجرية إلى قراهم. وعلى هذا تم الاتفاق، والتعهد والأمان من الوزير محمد باشا في صنعاء. إلاّ أن الوزير محمد باشا حين انتهت ولايته في اليمن غدر بالأمير علي الشرجبي وأبنائه وأحفاده وتابعيه وأمر بوضعهم في سجن (دار الحمراء) في أواسط شهر محرم 1031هجرية. 
في سنة 1014هجرية ظهر صوفي في العُدين، في قرية الصافية (وهي الآن قرية من قرى عزلة بني علي، حزم العدين) يسمى الشيخ عبد الرحمن الصافية، ومن شدة زهده وسعة علمه، وتصوفه، اعتقد الناس به، وكانوا يزورونه من جميع البوادي والأمصار، وبحسب الموزعي (كان يجتمع لديه من الناس كل يوم قدر مئتي نفر أو أكثر، ثم يذهبون ويأتي غيرهم)، فخاف الأتراك من التفاف الناس ومحبتهم لهذا الصوفي الذي لا يُسبح بحمدهم، فاتهموه بأنه (يختلي بالنساء الأجنبيات، ويحصل بين يديه الفحشاء والمنكرات)، وقاموا باعتقاله، وإرساله إلى صنعاء، وحين اقتربوا من صنعاء أرسل إليه سنان باشا جلاداً (نزعت من قلبه الرحمة، ليسلخ الجلد عن اللحم، فسلخه والعين ترى العين، وصيَّره بعد أن كان واحدا اثنين، ثم أُدخِل صنعاء المدينة بهذه الهيئة المهينة)!
ومن بشاعة القتل والتعذيب التي ميزت الاحتلال العثماني لليمن، ما صنعوه بـ(العياني)، أحد مقادمة الإمام القاسم بن محمد، حين ألقوا القبض عليه قي قرية الدرب في بلاد عنس من ذمار (جيء به إلى صنعاء بالذل والصغار، فسلخ جلده ومُلئ تبنا فأمسى شخصا وأصبح شخصين للأبصار، وجعل عبرة لأولي الاعتبار، وضربت أعناق من ساعدوه...)

أترك تعليقاً

التعليقات