نزوح عكسي لأبناء الحديدة!
 

راسل القرشي

راسل القرشي / لا ميديا

فضّل الكثير من النازحين من محافظة الحديدة إلى أمانة العاصمة العودة إلى مدينتهم والبقاء في منازلهم تحت نيران الرصاص والمدافع هروباً من المعاناة التي لحقت بهم في أماكن نزوحهم، ومما أطلقوا عليه أيضاً (جنة) الوحدة التنفيذية للنازحين..!
كثير من هؤلاء أرجعوا أسباب عودتهم إلى العشوائية السائدة في إيواء النازحين وعدم حصولهم على أبسط الخدمات التي ظنوا أنهم سيحصلون عليها في أمانة العاصمة، إضافة إلى الارتفاع الجنوني لأسعار إيجارات المنازل وقلة المعونات الغذائية التي تصرف لهم وتمييز الجهة المسؤولة بين النازحين.
هؤلاء تساءلوا عن الآلية التي تعمل بها الوحدة التنفيذية، وعن الأسباب التي دفعتها للتمييز بين النازحين، كون البعض استلم مبالغ مالية تصل إلى 100 دولار، وآخرين استلموا مواد غذائية ومواد منزلية قدرت تكلفتها بـ200 دولار.. ونازحون آخرون استلموا 5 كيلو دقيق و5 كيلو أرز وزيتاً عبوة لتر ونصف ومجموعة من أدوات التنظيف.. وهناك من لم يستلم شيئاً رغم تسجيل أسمائهم أكثر من مرة في مخيمات الإيواء..!
فهل هذه هي الآلية التي تسير عليها الوحدة التنفيذية لتوزيع المساعدات الإغاثية للنازحين؟ وعلى أي أساس تم اعتمادها وتنفيذها..؟!  
قد يقول مسؤولو الوحدة التنفيذية إن عدد النازحين كبير، وإن الإمكانات المتاحة ضعيفة، كما أن المنظمات الدولية لا تسهم بشكل كبير في تقديم المساعدات الإغاثية.. ولكن يبقى السؤال: لماذا هذا التمييز بين النازحين؟!
في الحروب والأزمات تتجسد حقيقة الأنقياء، ويتكشف المعنى الكبير للإنسانية.. ووحده السلوك من يعري ويفضح تجار الأزمات والحروب.. ومن لا يشعر بمعاناة أخيه ووجعه ليس إنساناً ولا يستحق الحياة..
كما أن من يتاجر بأوجاع الناس ومعاناتهم في الحروب والأزمات ليس سوى تاجر حرب، ولا يمكن أن يكون إنساناً، أو أن ننتظر منه عمل خير للتخفيف على إخوانه المنكوبين والمتضررين من أية منطقة كانت..
النازحون اضطرتهم المواجهات العسكرية إلى النزوح وترك منازلهم، ولم يأتوا إلى العاصمة للتنزه والسياحة.. وكل من نزحوا يعانون من الفقر والعوز بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد نتيجة العدوان والحصار الجائر..
ندرك أن آثار العدوان المدمرة والحصار الجائر انعكست على جميع اليمنيين في أكثر من محافظة من محافظات الجمهورية، وجميعنا نتشارك الكارثة..؛ لكن أن يسعى البعض للمتاجرة بأوجاع النازحين وزيادة آلامهم ومعاناتهم، فذلك لا يمكن تسميته سوى الاستغلال الرخيص وغير المقبول إطلاقاً..
يا أنتم.. (وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة).. أنتم الأقربون إليهم.. أنتم من ينبغي عليكم التخفيف على النازحين ومساعدتهم، وليس رفع وزيادة معاناتهم..
جاء العدوان ليقتل ويدمر ويشرد اليمنيين، ودفعهم للنزوح والهروب من مدنهم وأحيائهم ومنازلهم وزيادة معاناتهم.. فهل يعقل أن تمارسوا أنتم نفس ممارسات العدوان في الضغط على النازحين وزيادة معاناتهم وأوجاعهم..؟!
نحن جميعاً نازحون ومهجرون في ظل هذا العدوان والحصار، وما يقع على مواطن من مدينة الحديدة يقع على الآخر في صنعاء، كون الوجع والألم واحداً، والمعاناة واحدة.. 
إن التكافل الاجتماعي هو الرافعة الحقيقية لمواجهة العدوان وممارساته التجويعية والإفقارية، فهل هناك من يجسد هذه الحقيقة على الواقع الوطني المعيش؟! 
ليس هناك من يجسد ذلك إلا من رحم ربي.. كما أن حكومة الإنقاذ أكدت أنها بعيدة كلياً عن أوجاع ومعاناة المواطنين.. 
كثير من النازحين لم يجدوا سوى العراء مسكناً يؤويهم.. فأين الحكومة والوحدة التنفيذية من هؤلاء؟!
ونحن هنا لا يمكننا توجيه اللوم لمن اضطروا للنزوح العكسي إلى مناطقهم التي فروا منها، وإنما الجهات المعنية هي التي تلام، وهي التي تتحمل المسؤولية بشكل عام..
هي المسؤولة، كون الآلية التمييزية التي اعتمدتها وتسير عليها دفعتهم للعودة إلى جحيم المعاناة التي كانت سبباً للنزوح. 
عادوا إلى مناطقهم ومنازلهم وهم يدركون جيداً أن ما سيلاقونه - إن توسعت المواجهات العسكرية - قد يكون كارثياً، ولكن يكفي - حسب قول أحدهم - أن يموتوا في منازلهم بدلاً من هذه المعاناة التي لاقوها في أمانة العاصمة..!

أترك تعليقاً

التعليقات