تجمع الإصلاح ومظلة المشترك
 

محمد ناجي أحمد

استبدل الإخوان المسلمون في اليمن مظلتهم التي كانت في الثمانينيات والتسعينيات تتمثل بالمؤتمر الشعبي العام، بتكتل اللقاء المشترك، ولا تخفي قياداته رغبتها في أن يكون المشترك هو الإطار السياسي والفكري لمكوناته في سياق الاندماج.. فمواقف قيادة الاشتراكي والناصري طيلة السنوات الساخنة محلياً تتفق كلياً مع أهداف تجمع الإصلاح، سواء بخصوص صراعهم مع شريكهم الاستراتيجي سابقاً علي عبد الله صالح، أو تفكيك قوات الحرس الجمهوري بدعوى أنها جيش عائلي، وتوحيد مليشيات الإصلاح في الجيش، أو المطالبة بعزل صالح من المؤتمر الشعبي وإعادة هيكلته بما يخدم عملياً تجمع الإصلاح الذي استمر طويلاً يعمل داخل مظلة المؤتمر، ويتواجد بشكل تنظيمي داخل بنيته التنظيمية... وعلى المستوى الإقليمي أصبحت السعودية والخليج هي الراعي والموجه لمكونات اللقاء المشترك، في تناغم بين كل أدوات السعودية محلياً أفراداً وأحزاباً، وفقاً لمتطلبات أمن العائلة المالكة في السعودية. 
فإذا أخذنا على سبيل المثال الموقف من إيران، فسنجد الجميع يعمل على شيطنتها بما يتماهى والخطاب السعودي طيلة العقود السابقة. 
حصر العداء باتجاه إيران وشيطنتها مذهبياً وعرقياً، ليس وليد اليوم، فلقد استمرت الكيانات الوظيفية في المنطقة من مشيخات الخليج والكيان الصهيوني، على توجيه الشارع العربي والإسلامي لأكثر من 3 عقود، بالعديد من المؤلفات التي طبعت بملايين النسخ، وتم توزيعها مجاناً في المساجد والمدارس بأيدٍ إخوانية وسلفية، كان ذلك قبل عصر الفضائيات، أما وقد أصبحنا في عصر الوسائط الاجتماعية، فيكفي أن تتصفح منشورات كتائبهم في (فيسبوك) وفضائياتهم، لتجد ذات الأدوات تواصل وظيفتها التي تخدم بها الغرب وأهدافه في المنطقة. 
اللواء علي محسن في ندوة له في المملكة السعودية نشرتها صحيفة (الحياة) قبل مدة من الزمن، يقول: لقد حاربنا المد (القومي الاشتراكي) 9 سنوات... والآن سنهزم نظيره (الصفوي)، وأبدى ثقته بأن اليمنيين الذين هزموا المد القومي بعون الشهيد الملك فيصل بن عبد العزيز، سيعيدون الكرة نفسها مع (الصفوي)، بقيادة الملك سلمان. 
نعم، إنهم يرون في إيران نظيراً لما سماه علي محسن (المد القومي الاشتراكي). 
وفي لقاء في قناة (الجزيرة) جمع بين ياسين سعيد نعمان وعبد الوهاب الآنسي وسلطان العتواني، في برنامج (في العمق)، بتاريخ 17/12/2012م، كان هناك خطاب واحد عبر عنه مقدم البرنامج بتوجيهه لخطاب اللقاء نحو مواقف واحدة ظهر فيه الدكتور ياسين أقل حنكة وحذلقة -على غير ما عرف عنه في لقاءات تلفزيونية سابقة -في تقديم آرائه بمسوغات تختلف هامشياً عن القضايا الرئيسية لـ(توجهات تجمع الإصلاح)، فلقد طرح الثلاثة أن المشكلة هي بقاء علي عبد الله صالح مؤثراً في السياسة من خلال أوامره لبعض الوزراء لعرقلة طريق التسوية، وكذلك نفوذه داخل الجيش من خلال الحرس الجمهوري والأمن المركزي، وهو ما عبر عنه بشكل يخلو من الحذاقة الأستاذ سلطان العتواني، وبقدر من الذكاء الدكتور ياسين حين تحدث عن أمرين هما (توحيد الجيش) و(هيكلة الجيش) كمرحلتين ينبغي التفريق بينهما، وهي ثنائية تصح لو كانتا متلازمتين، أمّا أن تكون إحداهما قبل الحوار والأخرى بعده، فهذا خطاب ومبتغى التجمع اليمني للإصلاح واللواء علي محسن والقبيلة السياسية ممثلة ببيت الأحمر! فهم الطرف الذي سيكون توحيد الجيش وتأجيل هيكلته ينصب لصالحهم...
يتحدث عبد الوهاب الآنسي -ناسباً قوله لمخضرمين في السياسة، وهذا ديدن الإسلاميين حين يريدون جعل ما يقولونه بدرجة اليقين والحقائق- عن أن (ثورة 26 سبتمبر ثورة من أجل الشعب، أمّا ثورة الشباب فهي ثورة الشعب)، وهذا قول يخفي ويعلي من الانتفاضات التي يتم توجيهها واستثمارها من قبل طرف، طالما أنها هبات شعبية دون تنظيم ودون برنامج ثوري سوى إسقاط الرئيس السابق وأفراد أسرته ومن يأتمرون بتوجيهاته! لقد تم التركيز على القضايا التي تطرحها صحف ووسائل الإعلام التابعة لتجمع الإصلاح، من (صواريخ سكود) التي يمتلكها حسب تعبير المذيع وضيوفه - أحمد علي صالح، وعن قيام نجل الرئيس السابق بتفريغ ونهب الأسلحة من المعسكرات!
يتحدث الدكتور ياسين سعيد نعمان عن (فحوى) اتفاقية التسوية، التي تعني ترك (صالح) للسياسة، فالحصانة جزء من اتفاقية متكاملة هي (تسليم السلطة مقابل الحصانة وتوحيد الجيش والأمن من أجل الوصول إلى حوار آمن). والحقيقة أن الحديث عن (فحوى) للتسوية يتناقض مع بديهيات أية تسوية، والتي يجب العودة فيها إلى صريح منطوقها كشريعة بين المتعاقدين، بدلاً من الحديث عن فحوى لها، إضافة إلى أن الاتفاقية تنص على تشكيل لجنة لتفسير بنودها والاحتكام إليها حين الاختلاف حول فهم بعض البنود، وهو ما لم يتم حتى الآن... والاتفاقية لا تنص على وجوب اعتزال صالح رئاسة المؤتمر الشعبي العام، بل إن (صالح) كان يصرح منذ قبل التسوية وبعدها أنه سيعود لممارسة المعارضة عبر حزبه المؤتمر الشعبي العام، فلماذا لم يطالبوا قبل التوقيع على الاتفاقية بإضافة بند في التسوية يجعل ابتعاده عن السياسة شرطاً للحصانة! يتناسى الدكتور ياسين أن الحصانة كانت لنظام صالح الذي انقسم وقتها إلى سلطة الستين والسبعين، وليس لشخص (صالح) فقط لا غير!
حين يقول الدكتور ياسين بأن الجيش في السنوات الـ10 الأخيرة -وهو ما يردده في أكثر من حوار- لم يعد جيشاً وطنياً، وإنما جيش لفرد، جيش لرئيس، فهو قول فيه مصادرة وتزييف للوعي حين يذكر جزءاً من الحقيقة، متناسياً أن الجيش طيلة عقود الثمانينيات وما بعدها لم يكن جيشاً وطنياً، وإنما عاد منذ عام 79م ليصبح جيش القبيلة وإقطاعيات خاصة للعسكر والإسلام السياسي، فعن أي 10 سنوات يتحدث؟ عن السنوات الـ10 التي بدأ فيها الرئيس السابق بالتخلص من عبء شركائه وبناء جيش يخصه بدلاً من تقاسمه مع رؤوس الثعابين! هنا يصبح الدكتور ياسين لسان حال مكونات النظام السابق، والذي أصبح (الجيش الحر، وشيخ الثورة، وأسد الثورة، وحزب الثورة)..
الحديث عن ضرورة أن يكون المؤتمر الشعبي حزباً للرئيس، وحكراً على منصب الرئاسة، لا يخدم تحول المؤتمر إلى حزب حقيقي، وإنما يخدم تفيده واستمرار هشاشته! بكل وضوح شركاء (صالح) يريدون التخلص من التسوية التي عقدت بينهما، وذلك بإبعاد علي عبد الله صالح من قيادة المؤتمر، والتخلص من قيادة الحرس الجمهوري وهيكلته كجيش بني مناوئاً لهم، واستقطاب من تبقى من وزراء للمؤتمر الشعبي، وإقصاء الجزء الذين يتم توصيفهم بالمعرقلين للتسوية! يتم الحديث هنا عن حكومة القرار فيها لتحافاتهم، وليس عن حكومة تتخذ القرارات بالتوافق، وهو الشيء الذي نجحت فيه حكومة باسندوة حتى الآن...
حين يتحدث الدكتور ياسين عن القضية الجنوبية يستخدم مفردات مبهمة مثل (ارتباطها بمزاج معقد)، دون الحديث عن ماهية هذا (المزاج) وأسبابه والأطراف التي عملت على خلقه!
وحين يفرق سلطان العتواني بين قضية الحوثيين وبين القضية الجنوبية، يغيب عن ذهنه أن كل القضايا في اليمن هي قضايا سياسية وحقوقية، سواء في الجنوب أو صعدة أو تهامة أو تعز! بناء دولة وأمة أساسه الحقيقي القضايا السياسية والحقوقية!
يتحدث عبد الوهاب الآنسي أن القضية الجوهرية هي نقل السلطة وتوحيد الجيش (طبعاً لا يتحدث عن هيكلة!). أما قضية المرأة وقضية الشباب وغيرها من القضايا (لا مانع) أن تكون هامشية، يجب ألاّ تشغلنا عن القضية الجوهرية الرئيسية! ما قاله الآنسي بوضوح هو أن القضية الجوهرية إعادة إنتاج النظام بإسقاط صالح وعائلته من خلال شركاء النظام، وبقية القضايا هامشية!
وعن التدخل الإيراني في اليمن، وهو الحديث الأمريكي السعودي الأثير لدى الإسلاميين في المنطقة العربية كمواجهة أيديولوجية لآخر الممانعين والرافضين للهيمنة الأمريكية، أي أنه حديث يعطي شرعية لإضفاء طابع مذهبي طائفي في الصراع الأمريكي الإيراني! بدلاً من أن يكون صراعاً على النفوذ والهيمنة على المنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى إيران، يصبح في خطابه الزائف صراعاً مع التمدد الشيعي! 
عن نفوذ إيران في اليمن يحاول الدكتور ياسين أن يفر بلغته نحو التعميم، متحدثاً عن أن كل تدخل من دول الجوار في اليمن فهو يسيء لهذه الدول، مع ذلك مقدم البرنامج كان يريد انتزاع إدانة محددة ضد إيران من الدكتور ياسين، وهو الشيء الذي تجاوب معه الدكتور بدلاً من نقد التحديد والتخصيص دون أدلة تثبت التدخل العسكري أو السياسي الموهوم لإيران، وهو تدخل لو وجد فلديه أسبابه الموضوعية، فالبحر الأحمر واليمن والخليج جغرافية سيادتها أمريكية، ومن حق الإيرانيين أن ينقلوا المعركة إلى أية جغرافية تهيمن عليها أمريكا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، إنما إمكانيات إيران عسكرياً واستراتيجياً لا تساعدها على التمدد، وإلا سهل النيل منها! لكن الآنسي وبعيداً عن حذلقة الدكتور ياسين عبّر عن تألمه من المشروع الإيراني، دون الإشارة إلى المشروع الأمريكي في المنطقة (إيران لها مشروعها الذي نحن متألمون بسبب سياستها في اليمن، لأننا - كما أشار الدكتور ياسين -جيران)، وهنا نلاحظ أن تدعيم الآنسي لتعليقه بما قاله الدكتور ياسين كان مقصوداً به تحديد مفردة (جيران) بإيران، والقول بأن خطاب المشترك لم يعد كلقاء سياسي بين أحزاب، وإنما أصبح حزباً واحداً عبر عنه الآنسي بالقول بأن اللقاء المشترك أصبح الحامل السياسي للهدف الرئيسي والأهداف العامة لأحزابنا، وأن الأحزاب أصبحت تهتم بالجانب التنظيمي فقط، أمّا قضايانا العامة (نقلناها للمشترك)، لهذا نجد قيادات وقواعد التجمع اليمني للإصلاح تشير إلى عضويتها في الإصلاح وعضويتها في اللقاء المشترك، ذلك أنهم ينظرون لهذا اللقاء كحزب العضوية فيه لأفراد! لهذا حين قال المذيع للآنسي وضيوفه (ليش ما يكونش هناك عملية دمج؟)، رد الآنسي (هذه مهمة)، وهو ما يتسق مع قول الدكتور ياسين (نحن جميعاً غادرنا الأيديولوجيا...)، وهو ما نفاه الآنسي حين فرق بين أيديولوجيا وأخرى، وكأنه يريد أن يقول لقد دخل الناس في خطابنا أفواجاً!

أترك تعليقاً

التعليقات