حكاية شعب في قصة
 

محمد ناجي أحمد

(يا أخي اتخارج) من نصوص المجموعة القصصية (شيء اسمه الحنين) لمحمد عبد الولي، يتم استدعاء (فارع علي سعيد) عن طريق الخطأ، وقد قام الجندي الذي أحضره باتهامه بسب الحكومة، وحين وصل إلى قسم الشرطة (النقطة) اتضح للضابط أن المطلوب هو فارع سعيد علي، صاحب المجزرة، وليس فارع علي سعيد، صاحب الدكان في السوق، وكانوا قد ضربوا على رجليه قيداً، فقال الضابط (هيا فكوا قيده وخلوه يذهب، وأشار إلي، ولكن العسكري قال والأجرة يا أفندم؟
أشار لي المسؤول وقال ادفع الأجرة وحق فك القيد، وتوكل على الله، وحاولت أن أنطق، ولكن أحد الناس الذين حضروا معي من الحارة، دفعني إلى الخارج.
وقال واحد منهم هامساً: يا أخي اتخارج واتوكل على الله).
يبدو أن حال اليمني مع الأحداث، ومنها التسوية الخليجية ومؤتمر الحوار، ومع تضخم البطالة والفقر، وعدم وجود فرص عمل، وهو محاصر بانقطاع الكهرباء والماء، وغياب الخدمات الصحية، وتدهور التعليم والحصار الاقتصادي الذي مس رواتب الموظفين المتوقفة لأشهر، وما أفرزته الدولة القطرية من نفايات المذهبية والجهوية والمناطقية والطائفية، وأنتجته مشيخات الخليج الوهابية بالمال والسلاح وتدمير اليمن بناسه وبنيته التحتية، وما أفرزته من قيم اجتماعية كارثية وهويات طاردة.. إلخ، كل ذلك بهدف جعل لسان حال غالبية المواطنين يستسلم لما خطط له، ليردد منكسراً (يا أخي اتخارج واتوكل على الله)! هذا يعني أن غالبية الناس سيدفعون أجرة العسكري والقيد! أو أنهم سينتصرون على كل الوسائل الماكرة التي تستهدف في الأساس قهر هذا الشعب، وجعله دوماً في حالة انهزام في وعيه وأحلامه، وأن تستمر جغرافيته فضاء للنهب والتمدد، وإنسانه يعيش في ظروف من الرق والسخرة والخوف والجوع والمرض!
يمررون الاستعمار وأهدافه تحت لافتة مقاومة الاستبداد، وما سموه المركز المقدس، وهم كانوا وما زالوا مكوناً من مكونات السلطة التي تحاصصت الحكم والثروة طيلة عقود مضت، ومن تلك العقود استمدوا سلطتهم التي مع تشظي الوطن تحولت إلى هيمنات كنتونية وهويات متقاتلة ومنغلقة على مصالحها، تحركها دويلات محطات البنزين، وعلى رأسها الكيان السعودي، والشركات المتعددة الجنسيات المسماة دولة الإمارات ودولة قطر!
إن الأهداف الحقيقية للعدوان على اليمن تتمثل بانتزاع السيادة على الجزر والممر المائي في البحر الأحمر، كما انتزعت جزر من قبل في معاهدة جدة، ومزيد من اقتطاع الأراضي اليمنية بدعوى يتم تكرارها عند كل قضم واحتلال، ألا وهي وجود منطقة عازلة، وكأن المخلاف السليماني المحتل لا يكفي عازلاً! إضافة إلى ضرب الجيش اليمني بعد تفكيكه وتدمير بنيته التحتية، وتفكيك المجتمع إلى جزر تقاتل بعضها بلافتات وهمية طائفية ومذهبية وجهوية، وجعل الشعب اليمني مسلوب الإرادة، بل بإرادات تنفي بعضها بعضاً، ويأتي المنهج التعليمي في اليمن، وطبيعة مقرراته التي تنتج عقلاً غيبياً ومغذياً، ليكرس الأهداف التي يبتغيها العدوان على اليمن. 
ليست إعادة عبدربه منصور هادي وحكومته إلى الحكم، بالهدف الذي يستحق كل هذه المغامرة السعودية الغربية، وإنما تكريس حالة الانقسام والانهزام تجاه هذا العدوان هي الوسيلة التي سيبنى عليها مصادرة السيادة اليمنية لعقود، وهزيمة العدوان لن تكون سوى بإسقاط وسائله التي هي من جنس غاياته. فالخدع الكرتونية الممثلة برئيس شرعيته مباركة سياسة وأهداف العدوان بقرارات هزلية يلعنها الحاضر والتاريخ والمستقبل، كما لعن (أبو رغال) بتجسيده بالجمرات.. تظل خدعاً بصرية تعتمد على كثافة سرعة الصور والأكاذيب، لكنها في الأخير تظل خدعاً تتهاوى على صخرة الوعي والإرادة والحرية والوحدة اليمنية.

أترك تعليقاً

التعليقات