أطماع قديمة متجددة
 

أحلام عبدالكافي

بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية قسم البريطانيون الجزيرة العربية، واستقل شمال اليمن عن الإمبراطورية العثمانية عام 1849، وقامت المملكة المتوكلية عام 1918.
وكان الأدارسة من بقايا العثمانيين، موالين لآل سعود، ويسيطرون على جازان والسواحل الغربية حتى الحديدة، وعقدوا معاهدة صداقة مع الإنجليز عام 1915، وبدأوا بتلقي المساعدات المالية عام 1917، وأقاموا معاهدة مشابهة مع ابن سعود عرفت بمعاهدة (دارين)، بحضور النقيب ويليام هنري شكسبير، وتخلى البريطانيون عن سياسة عدم التدخل في شؤون وسط وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية، وسلموا الحديدة إلى الأدارسة عام 1926، على أن يظل البريطانيون مسيطرين في الجنوب.
من جهته، كانت علاقة الإمام يحيى حميد الدين سيئة مع الإنجليز المحتلين للجنوب اليمني، وكان يحاول بسط نفوذ المملكة المتوكلية على باقي اليمن، وتوحيد الشمال بالجنوب، فخاض حروباً ضد سلاطين جنوب اليمن المرتبط بالإنجليز، وكان جيشه على بعد 50 كيلومتراً من عدن، فتدخل البريطانيون أخيراً، وقصفوا قعطبة وتعز، وأيضاً الحديدة تلقت قصفاً عنيفاً بالطائرات لمدة 5 أيام، وخاض الإمام حروباً مماثلة مع الأدارسة الذين كان ولاؤهم لآل سعود. حينها أدرك الإمام أن توقيع معاهدة مع الإنجليز أمر لا مفر منه، خاصة أن قوات بن سعود كانت تهدد المناطق الشمالية للبلاد، وتحاول تسليم الحديدة لحليفتها بريطانيا لقاء تعاونها معها في احتلال باقي الأراضي اليمنية. 
ففي عام 1932، توجه الإمام إلى مناطق قبائل وائلة، ومنها إلى نجران موطن قبيلة يام، حيث عدد كبير من هذه القبيلة ناصر الإمام، وطُرد جيش بن سعود من المنطقة.
نجران لم تكن مصدر المشكلة، بل جازان، إذ أدرك الأدارسة أن بن سعود سيبتلع بلادهم، فنقضوا الحلف بينهم وبينه، والتحقوا بالإمام عام 1933، وكانت قوات بن سعود تحاول استعادة السيطرة على نجران حينها، فهرب كثير من سكان نجران إلى عسير، وقامت الحرب اليمنية السعودية عام 1934، وكانت حرباً بين الأدارسة في جازان والحديدة التابعة للإمارة الإدريسية حينها، معي بني سعود، ولم تشتبك قوات الإمام مع بن سعود إلا في نجران، واستطاع بن سعود أن يعيد احتلال نجران.. وتم توقيع اتفاقية الطائف في 1934، لإدراك الإمام أن قواته لن تصمد أمام قوات بن سعود وقوات سلاطين قبائل جنوب اليمن، وكلاهما كان متعاهداً مع الإنجليز، وكانت قد وقعت اتفاقية الطائف آنذاك، وقد نصت المعاهدة بين الإمام والإنجليز حلفاء السعودية، على ضرورة تجديدها كل 20 سنة مع بني سعود، وكانت هذه المعاهدة هي التي حددت حدود ما عرف بشمال اليمن بين بن سعود في شماله والإنجليز وسلاطين ما عرف باليمن الجنوبي في جنوبه، وجاء في المعاهدة أن تُضم جازان إلى السعودية عقب وفاة الأمير الإدريسي، وأن ينسحب الكيان السعودي من بعض مناطق الحديدة التي كانوا قد زحفوا إليها.
ما تشهده محافظة الحديدة اليوم من قصف مستمر يقاس على مستوى الدقائق والساعات، لهو إيذان بنية الكيان السعودي بالتحالف مع الكيان الإسرائيلي لاحتلالها.. وما توافد البوارج الأمريكية وتارة المستأجرات الإماراتية إلا خير دليل على ذلك.
ما أشبه اليوم بالبارحة، فكيان آل سعود الغاصب الذي احتل الأراضي اليمنية جيزان ونجران وعسير، ومحاولته احتلال الحديدة، هو نفسه اليوم الذي يحاول احتلال الحديدة وحضرموت ومأرب والجوف.. وما أشبه تحالفه مع بريطانيا بالأمس بتحالفه مع إسرائيل وأمريكا اليوم... وما أشبه خونة اليوم ومرتزقة العدوان بأدارسة الأمس.. وبين هذا وذلك وحده الشعب اليمني من يتصدر موقف الوطنية والإباء والشموخ حين يخوض معركة الدفاع عن أراضيه مع أبشع عدوان عبر التاريخ، الذي يقوده أشرار هذا العالم وأرباب السيطرة وبسط النفوذ من يتجلون بكل زمان ومكان تحت مسميات وذرائع واهية.

أترك تعليقاً

التعليقات