استفزاز الذات
 

زياد السالمي

في ظل تردي الوعي دائماً ما تلاقي استفزازات كثيرة تلزمك بالوقوف حيالها بتصدٍّ حتى لا يصبح الاستفزاز عادة وثقافة يوصم بها المجتمع والمعني.. ومن هذه الأعراض غير اللائقة قيام المتلقي بتناول عمل إبداعي بطريقة فجة تعمد إلى هدم التكامل الفني في الكل كفرد أو في الفرد كمجتمع، فتجد أحدهم يتناول تجربة إبداعية ربما لم يقرأ غير النص الأول، ثم يبدأ في تقطيع العمل الإبداعي بأدوات تعنى بالذبح لا التطبيب، والموت لا الحياة. كم ذلك مؤلم جداً توجب العناية كأخلاق عدم الإعراض عنها حتى لا تتفشى هذه الحالات فتغدو مرضاً عضالاً يصيب جسد الأدب، وبالتالي يتهالك معه المجتمع.. 
قد يكون التهكم فارغ البنى والرؤى من جعل شخص القارئ في موضع الاعتقاد بأحقيته في الحكم على الآخرين، فيطلق الأحكام الافتعالية تحت وطأة المشاعر والاستعجال.. بشاعة لا بعدها بشاعة، أن يملك القارئ نفسه الحكم، واصفاً أياً كان بشاعر أو غير شاعر.. بينما يقف أمامه دون سابق معنى يمنحه غير عمل شعري لم يستبنه أو تناوله بناءً على أفق التلامس الإبداعي، فلم يدرك تقنيته وأسلوبه وأوجه تميزه كتجربة إبداعية متفردة، مما ينم عن أن القارئ لم يكن حينها يملك من آليات القراءة غير بعض الإملاءات مؤكدة نوازع قراءة ذاتيته المتنافرة بين هولاميات المعايير النقدية وجدية رؤيتها، دل أخيراً على عوز الدراية أو اللمسة الإبداعية كإفرازات جهل واستعجال بالمعنى أوقعه في ضيق أفق التلقي، ساقطاً بين التكهن ونوبات الذات الشعورية. لهذا ما أسهل الحكم وما أصعب التوفيق، ما أسهل الوصف وما أصعب الإجادة. العتمة حسب جمالية التلقي لا تأتي من النص الإبداعي، وإنما من قارئه. والإضاءة هي إيجاد مكامن التفرد والتميز في العمل الإبداعي، لا البحث عن هناته في عمل إبداعي لوح أمامه كغمامة ترفض الهطول، فيعجز عن الإمساك بها ليحيل خيبة إدراكه على معارجها الوعرة. 
هكذا يكون على سبيل المثال الذات الهاميلتية ليست ذات الشاعر، بل المتلقي، في سبر أغوار ذاته المجلودة من تأنيب الضمير أمام تحييد الآخر لرأيه أو موقفه تجاه واقع معاش أو نوبة عجز عن الانبعاث القويم والموائم كذائقة لحظة تناول العمل الإبداعي الذي يفرض بالجمالية على الآخر الخلق والبناء.. 
إن الشخصية الأسطورية أو الرؤيوية لدى رواد الإبداع، على افتراض وجودها، لم تشر إلى حالة المبدع في حين تدرك من خلال المتلقي حال استحضار أية رمزية أو نوبة شعورية وضعته إدراكياً في دائرة القصدية. من جهة أخرى، فإن قراءة الخيال الشعري نفسياً أو شخصياً، تجعل القارئ يقرأه من موقعه المتجسد فيه. وحال التأمل في هذا المشهد العبثي تجد هذه الفرضيات غائبة عن المتلقي الذي يعتقد إجادته في قص أثر النص من منظور أمبيري، لا بحسب ما سلف ذكره. فتغدو إحدى العوائق التي يواجهها المبدع العربي حال عدم نضوج الوعي التراكمي بالصورة الفنية وتطورها المعرفي كأبسط توصيف إن لم يكن غياب الوعي بها تماماً. 
النص الإبداعي خلاق يمنح المتلقي أن يعيد خلق ذاته بالكيفية والطموح الذي يرغب أو يأبى أن يكونه؛ مع أن القراءة الشعرية لم تنضج بعد، فإن نهج الشعرية كمقابل قد قام بناءً على الوقوف أمام الخطاب الشعري بمحدودية التناول في التوجهات والمقومات الثقافية؛ كإثبات وجود القارئ في العمل الإبداعي، بينما الأسلوب والتقنية وقراءة النص لسانياً ينبغي وضع معالم الفردية في تطور الصورة الفنية؛ وهو ما لمسناه تحاملاً تجاه المبدع الذي وجد التأسف انفعالياً ضرورة ملحة خلال هذا التهكم الهدام لا البناء؛ ويظهره جاداً على تجاوز هذه العوائق الغائرة في الذات الجمعية والمتبلورة في المهتم؛ آخذاً بيد القارئ نحو إعادة تصوره وارتقاء تناوله؛ وهو ما منحني التلويح باختصار على أمل اقتباس النور؛ فيما يظل في الموضوع عودة متأنية تنصف الجهد المبذول بين ليلة سعيدة وعامين من المثابرة.

أترك تعليقاً

التعليقات