محمد ناجي أحمد

قبل موته بوقت قصير أجرت (دي بوفوار) حواراً مع الفيلسوف الوجودي (سارتر)، وفي هذا الحوار تجلت رحلة (سارتر) من الشك والإنكار والإلحاد إلى الإيمان.  
من رؤيته للإنسان ذرة غبار في هذا الكون، إلى قوله قبيل وفاته في هذا الحوار: (أنا لا أشعر بأني مجرد ذرة غبار ظهرت في هذا الكون، وإنما ككائن حساس تم التحضير لظهوره، وأحسن تكوينه، أي أنه بإيجاز ككائن لم يستطع المجيء إلاَّ من خالق). بهذه العبارة نسف (سارتر) نهجه الإلحادي، بل ذهب أبعد من ذلك حين أعلى من شأن الأدب، وحطّ من مكانة الفلسفة، فوصفها بأنها ليست سوى عبث (وحذاقة غريبة) وشعور (بالمتعة للقدرة على التأليف) والتفلسف، وأنه انخرط بالفلسفة بسبب مناقشة له مع أحد أقاربه الذي شعر بأنه يميز نفسه بمعرفة أسرار الفلسفة.
وبدافع الفضول أصبح سارتر فيلسوفاً (انتحار المثقفين العرب- محمد جابر الأنصاري). 
هو ذات المسار الذي آل إليه أبو حيان التوحيدي، في القرن الرابع الهجري، حين تخلى عن نهجه الإلحادي ليقول: (إذا جاءك الحق بما دق عن الفهم فلا تحاكمه إلى نقص العقل... إذا فتنك العقل بدقائق البحث، فاستقبله بحقائق التسليم) [الإشارات الإلهية – أبو حيان التوحيدي – ج 1 - تحقيق عبد الرحمن بدوي –جامعة القاهرة].
لقد حول أبو حيان التوحيدي ضجره من الحياة إلى شكوى صوفية بسبب ما تعرض له من إهمال وضيق في العيش في هذه الحياة. 
وهي ذات الرحلة التي عاشها أبو حامد الغزالي، إلاّ أن رحلة الغزالي كانت مع سعة في الحياة، لا ضيق في العيش والمعيشة. لكنه رأى تنكر الدنيا لـ(نظام الملك) الوزير السلجوقي، راعيه ومتبنيه، ومحرضه وموجهه لـ(الرد على الباطنية) والحكم بـ(تهافت الفلاسفة) حين شاهد نهاية (نظام الملك) وانقلاب الملك السلجوقي (شاه ملك) ضد هذا الوزير الذي شيد ملك السلاجقة في آسيا الوسطى، وأقام لهم نظم الدولة، وجيشاً يحميها في النهار، وجيشاً يدعو للسلطان في الليل، ويذود عنه محاججات ومنطق الإسماعيلية في الشام ومصر. 
نظام الملك الذي جعل من التصوف أيديولوجيا للدولة يوجه به مشاعر ومعتقدات الجماهير لصالح ملك أرسلان وشاه ملك. 
كانت رحلة الغزالي من الأيديولوجيا المدافعة عن حكم السلاجقة إلى (المنقذ من الضلال) الذي جعله ينسحب من (سياسة نامة) إلى سياسة الروح و(إحياء علوم الدين).
لم ينبثق يقين سيد قطب وحرارة إيمانه، وعنفوان وعنف (معالم طريقه)، إلاّ من شك العقاد المغلف بنزعة المحامي، الذي يريد أن يكسب قضيته بالمحاججة والمساجلة والمنطق الصوري. 
كان سيد قطب هو الصوت الذي انبعث من عباءة العقاد المتأرجحة بين الشك واليقين. 
غاير قطب توفيقة أستاذه، الذي انتصر للإمام علي بن أبي طالب بذات الحرارة التي تحمس فيها لعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان. 
كان يقين سيد قطب رافضاً لنهج عثمان في سنوات حكمه الأخيرة، وموصفاً لحكم معاوية بالملك العضوض، والظالم. 
طرح سيد قطب القضية السياسية بحرارة العاطفة في برائه من معاوية، كداعية وناقد وسارد يسير في (معالم على الطريق) إلى المنتهى، فيكون للحقيقة عنده وجه واحد، لا عدة أوجه، وطريق مباشر، لا طرق ملتفة. 
فالطريق لديه واحد، وإن تعددت الخلائق، لا عدة طرق يتوه فيها السالكون كما تاه فيها أستاذه العقاد.
من المعروف أن سيد قطب كان ينحاز للعقاد ضد الرافعي في سنوات احتدام السجال بين الرافعي والعقاد. 
ويحب العقاد بانجراف، وأنه لم يقابل منه بعاطفة وود مماثل، بل كان العقاد يتجاهل سيد قطب. 
اختلف العقاد، بل رفض المادية الجدلية الماركسية، لكنه تقبل الماركسية التطورية الداروينية، وهما متكاملتان من حيث المبدأ المادي، فالماركسية يصعب فصلها عن الداروينية والفرويدية، بحسب محمد جابر الأنصاري، في كتابه سابق الذكر. 
كان سيد قطب في كتابه (خصائص التصور الإسلامي)، رافضاً للفلسفة، سلفياً تقليدياً، ولم يكن مجدداً، لم يقبل بالأخذ بتيار العقل ومتعلقاته التي يمكن أن تمتد إلى قبول الفلسفة، بحسب رأي المفكر فهمي جدعان (العرب وتحديات القرن الحادي والعشرين –مؤسسة عبد الحميد شومان -2000م ـ ص52). 
ومن ابن تيمية وسيد قطب استمد الإخوان المسلمون في مصر واليمن والأردن، موقفهم الرافض لتدريس الفلسفة في المدارس، وتجفيف الجامعات منها. 


أترك تعليقاً

التعليقات