نحو جبهة متحدة مع الإسلام الثوري 1-2
 

محمد ناجي أحمد

ليست مشكلتنا في الاختيار والانحشار بين ثنائية العلمانية والإسلام، فمجتمعاتنا تعيش تحدياً يتمثل بالمجتمع الطائفي والمذهبي والجهوي كجغرافيا سياسية يعمل الإسلام النفطي خدمة للغرب على فرضها. فخيارنا يجب أن يكون المجتمع القومي الموحد، المبني على أسس الوطنية الحقة لا القطرية الطائفية التي تتلاشى إلى مكونات متناهية في عنفها. الوطنية التي جعلت محمد عبيد في الحرس الملكي للخديوي يحاصر وزارة الحربية بقصر النيل ليطلق سراح أحمد عرابي وعلي فهمي وعبد العال حلمي. هذا القبطي الذي يرى في الوطنية المصرية بإسلامها الحضاري هويته وقضيته. وحين حدثت معركة (التل الكبير) بمواجهة القوات الاستعمارية البريطانية عام 1882م، ووقع فيها من الذعر والفرار، وكان أحمد عرابي من الذين فروا، صمد محمد عبيد، وقاتل حتى استشهد مع معظم جنوده. كما يذكر ذلك الدكتور أنور عبد الملك في كتابه (ريح الشرق)، نقلاً عن عبد الرحمن الرافعي، وكتابه (الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي).
لقد خلد الإنجليز قتلاهم في هذه المعركة بمقبرة في ذات المكان، وتم طمس جثامين محمد عبيد ومن استشهد معه من الجنود، فلا رفات ولا قبور، سوى أنهم أصبحوا شواهد شامخة في الوطنية المصرية. ونفي أحمد عرابي، ثم عاد بداية القرن العشرين معتذراً للخديوي، ومنسلخاً في مذكراته عن ثورة أصبحت ملكاً للوطنية المصرية، ومحفزاً وزاداً للتحرر العربي في مواجهة الاستعمار والاستعباد.
تماماً كما تم تخليد غزاة الأتراك الذين قتلوا في اليمن بنصب تذكاري في صنعاء بالقرب من باب اليمن، وطمس شواهد شهداء المقاومة الوطنية ضد الاحتلال التركي لليمن! 
يستطيع المجتمع القومي الموحد بحسب (أنور عبد الملك)، أن يختار لنفسه النهج الديني أو النهج العلماني، النظام الرأسمالي أو نظام رأسمالية الدولة أو النظام الاشتراكي أو غير ذلك. هذا يتوقف على علاقة الطبقات وميزان القوى في الداخل.
يظل التراث في جدليته الحداثية، وانعكاسه كجغرافيا وثقافة في سمات الشخصية القومية العربية، درعاً واقياً لتوغل الهيمنة السياسية والفكرية الغربية على الحركة الوطنية.
فمستقبل الأمم يتخذ شكل تفاعل جدلي في مستويات مختلفة ودوائر متشابكة هي على وجه التحديد: الحضارات والدوائر الثقافية، ثم المجتمعات القومية، وفي قلب هذا الطبقات الاجتماعية. لهذا كان عبد الناصر جدلياً في تحديده لدوائر الانتماء المصري الثلاث التي تنتمي لها الوطنية المصرية، وهي الدائرة العربية والدائرة الأفريقية والدائرة الإسلامية.
ففي مواجهة الاستعمار العنصري الصهيوني، وهو استعمار عالمي قائم بذاته بحسب ما يذهب إليه (أنور عبد الملك) في كتابه آنف الذكر، (وليس أداة لاستعمار غربي محدد هو الاستعمار الأمريكي.. بل ويفرض عليها خطوات الاستراتيجية ومعدلات التحرك، وحدوده بشكل متزايد باطراد).
من هنا تكون أهمية الدائرة العربية وجدليتها مع الدائرة الإسلامية. فالإسلام يتحول كوعي حضاري إلى نظرية اجتماعية في مواجهة الغرب وهيمنته الصهيونية.
من هنا كان الانفتاح الواعي والاستراتيجي لجمال عبد الناصر على الدائرة الإسلامية (وهو الانفتاح على الدوائر التي تتعدى اتجاه الغرب الاستراتيجي المباشر، الدائرة الأفريقية والإسلامية، ومن هنا كان التخطيط لأجل توسيع الحركة باتجاه باندونغ وبعد باندونغ، ومن هنا أهمية الحركة الأفرو - آسيوية، وصلب الحركة الأفرو - آسيوية إلى جانب الصين العظيمة، هو الإسلام السياسي - وأساس الإسلام السياسي، بين الغرب وبحر الصين في هذه المنطقة الأفرو - آسيوية، حول الأمة العربية الموحدة).
وعلى أساس هذا الوعي الاستراتيجي نجد الثورة الإيرانية تستلهم هذا التراث الثوري، وتواصل نهجه في استراتيجيتها مع الدائرة العربية والقضية الفلسطينية، والفضاء الآسيوي والأفريقي، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة أوراسيا.

أترك تعليقاً

التعليقات