زياد السالمي

لإدراك دور القبيلة اليمنية في مواجهة العدوان لزم الوقوف أمام حقائق ثابتة حول القبيلة اليمنية، والتطرق إليها من خلال التاريخ السياسي للقبيلة ومن معطيات ما قدمته في ثورة الـ21 من سبتمبر المجيد، في حين هنالك من يتساءل نتيجة الواقع المتذبذب: ما سبب تشظي القبيلة واختلاف أبنائها بين الوقوف ضد العدوان والوقوف في صف العدوان؟
قبل الإجابة نجد أن القبيلة اليمنية أو بالأصح قبيلة اليمن باتساع رقعتها المكانية تقوم وتعرف بناءً على أساس مكاني، ما تزال كما كانت ذات أثر في القرار السياسي والوطني، كحقيقة يصعب تجاوزها أو القول عكسها، كما يصعب القول عكس أن اليمن نسيج قبلي منذ القدم لا تحكم إلا عبر هذا النسيج (بلقيس + أقيال) في إطار ديني (معبد أوام)، فقد قال تعالى: (يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون. قالوا نحن أولو قوةٍ وأولو بأسٍ شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين). وهو ما نلمسه على مراحل التاريخ اليمني، باعتبار أن تسيير شؤون الدولة ليس من ماهية القبيلة، وإنما من ماهية الدين، وأصبحت هذه الحقيقة مبدأً لا تستطيع مخالفته، نستنبط ذلك على سبيل المثال الجدال الذي دار بين الإمام يحيى والشيخ علي ناصر القردعي، حينما قال له الإمام يحيى: أسلم لك الحكم، فرد عليه القردعي: أنا شيخ ولا أحكم، وأنا أنفذ فتوى العلماء الذين أفتوا بقتلك. وبموجب الفتوى اغتيل الإمام يحيى.
ظلت هذه الحقيقة حتى اللحظة عند غالبية قبائل قبيلة اليمن، كمبدأ، باستثناء بعض قبيلة حاشد (قبل اغتيال الإمام أحمد وبعد اغتياله)، بسبب الجهل والسياسة الخاطئة من (الجمهولكيين) - حسب وصف الأستاذ المفكر صلاح الدكاك - وبالتالي فقد تراجع دور القبيلة اليمنية الواحدة نتيجة الثقافة الخاطئة والمهزومة، مبتعدة تدريجياً عن كينونتها وماهيتها الفاعلة كمساعد للحكم ويد لحماية الوطن. وخاضت صراعين يتجاذبانها هما مد التضعضع الأخلاقي وثقافة الهدم وعدم الثقة بالله وتغليب المصلحة الذاتية الشخصية على المصلحة الوطنية العليا، مما أدى إلى انسلاخ بعض الشخصيات من شجرة قبيلة اليمن الواحدة إلى المال والحزب من جهة. ومن جهة مقابلة جزر النفوذ الوهابي والحزبي والمسميات المناطقية والعرقية الأثنية.
على الرغم من ذلك، فإن اليمن القبيلة لم تتخلَّ عن قيمها، وظلت تصارع ذلك الهدم والاستفزازات المناطقية والاستحواذ على السلطة من قبل قلة قليلة معروف عنها الانصياع والخيانة والعمالة معيارها القوة والنفوذ لا الكفاءة. والسحنة الواحدة تجسدت تماماً في حكم علي صالح، وعلى سبيل المثال عندما اجتمع صالح بقبائل حاشد بعد جمعة الكرامة، صرح لهم أن حاشد فقدت ملكها ولم تحافظ عليه.
الحقيقة الثالثة: استعادة قبيلة اليمن قيمها ومبادئها والانتصار لها بالوقوف مع ثورة الـ21 من سبتمبر، واعتبرت الداعم الأكبر للثورة والثوار، وأرجعت عبر الثورة -التي أسقطت قوى العمالة والاستكبار -سيادة الوطن.
فكان محتماً عليها بعد الانتصار أن تستمر في ذلك الزخم والعطاء، حينها واجهت العدوان الغاشم على يمننا الحبيب، بالرغم من اختلاف وجهات النظر البسيطة نتيجة إفرازات الحكم البائد، وقف الجميع جنباً إلى جنب في صف الوطن ضد العدوان، وأثبتت قبيلة اليمن أصالتها ونزعتها الحرة ونخوتها السامقة، وواجهت العدوان والظلم والعبودية الرافضة للضيم باصطفافٍ واحد دون تمييز أو تفريق، مقدمةً أروع وأسمى البطولات في صد العدوان ودحره (نصر وإلا شهادة قد كتبت الوصية)، وبذلت خيرة أبنائها جهاداً في سبيل الأرض والعرض، وشاركت المشاركة الفاعلة في دحر المعتدين.
الحقيقة الرابعة: اتكاء القبيلة اليمنية الواحدة على موروثها الديني والعرفي في مواجهة العدوان، فلم تقف تحت أي توصيف سوى توصيف ديني وعرفي كدورٍ إيجابي قوي بارزٍ تمثل برفد الجبهات بالرجال الأشداء الأقوياء (اللجان الشعبية وأنصار الله)، وبالدعم المادي لهم، وكذلك بالصمود والثبات والصبر كإرادة حرة اختيارية قوية مؤمنة بثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة التي حققت طموح الشعب بالسيادة والكرامة والاستقلال، وما تلى ذلك من إنشاء مجلس التلاحم القبلي وميثاق الشرف المليوني الذي عزز من تماسك الجبهة الوطنية في مواجهة العدوان. الكل سواء يجمعهم مكان واحد هو اليمن، وهوية واحدة هي القبيلة اليمنية المحمدية، فلا فرق بين أسود وأحمر وأبيض إلا بالعمل الجهادي الوطني. وبالتالي خضع الجميع لقبيلة اليمن، واندرجوا تحت لوائها حينما وقفت محكمة ومسلمة أمرها للدين القويم.
الحقيقة الجامعة (البوتقة الصاهرة)، ومن خلال استقراء الدور الذي قدمته قبيلة اليمن كهوية وطنية في مواجهة العدوان، نجد أنها قد ذابت فيها كافة الأعراق والأثنيات، وانصهرت بالانتماء إلى اليمن كقبيلة واحدة، تماهت فيها كل التسميات والطبقات الاجتماعية على أساس المكان والدين، وجاز لنا وفقاً لفكرة البوتقة الصاهرة التي كان ينشدها الفكر الغربي طيلة مراحل تطور الفلسفة العقلية، التصريح باعتزاز أن اليمن كقبيلة واحدة في مواجهة العدوان قد نجحت في تطبيق هذه الفكرة بسليقتها وفطرتها بحكم موروثها الديني والعرفي، إذ وقف ضد العدوان كافة اليمنيين بتنوعهم المذهبي والسياسي والحزبي في بوتقة وطنية (قبيلة اليمن) تحت إطار ديني (الجهاد في سبيل الله)، وبالتالي فقد أثبتت اليمن خطأ تقدير د. عبد الله الغذامي في تقسيم القبيلة على أساس أعراق وأثينات كهويات متعددة لما بعد الحداثة.
فالقبيلة ممثلة باللجان الشعبية قد جمعت واحتضنت تحت راية الوطن في مواجهة العدوان كافة الأطراف والمكونات ومن كافة المناطق، فحققت انتصاراً وطنياً لهوية واحدة هي اليمن، ومن هذه الأمثلة الحية إنشاء مجلس التلاحم القبلي الذي يقوم على ميثاق الشرف المليوني كرد فعل أمام العدوان السعودي على اليمن لمواجهته وصده. ومن ذلك إبرام صلح داخلي وهدنة بين المتنازعين، ومن ثم التفاف الجميع تحت راية الوطن حول قائد الثورة سماحة السيد عبد الملك الحوثي، وجعلت من أولى أولوياتها مواجهة العدوان وصده ودحره، كل هذه المواقف وقائع شكلت دافعاً للثبات والصمود والمواجهة، كما أكدت عمق وأصالة قبيلة اليمن الواحدة، وأثبتت أنها ركيزة وطنية لا يستغنى عنها في مواجهة العدوان، وفي البناء.
هذا الدور لقبيلة اليمن ليس وليد اللحظة، وإنما بنية اجتماعية قيمية أخلاقية متأصلة ضاربة في عمق التاريخ، بعكس ما لمسناه من المكونات السياسية التي أثبتت تضعضعاً أخلاقياً يفوح عفنه من إبط تصرفات قياداتها. ولهذا فإن التساؤل حول شذاذ بعض الشخصيات وانسلاخها عن الموقف الوطني ووقوفها في صف العدوان ضد اليمن وسيادته وكرامته ليس من القبيلة بشيء، وإنما نتيجة انسلاخهم عن القبيلة وأعرافها ومواثيقها وعدم الانتماء إليها، واستبدالهم القبيلة وقيمها الدينية المحمدية بالحزب السياسي المحكوم بذاتية أصحاب القرار الذين ينظرون للوطن من منظور آني ممكن يتنافى مع الثوابت الوطنية ومكارم الأخلاق اليمنية المحمدية، ويجافي أيضاً أدبيات هذه التنظيمات.
هنا يجيء دورنا أن نوجه سؤالاً للتنظيمات والمكونات من خلال ثقتنا مما نقول إن الوعي الوطني قد تجسد بقبيلة اليمن استشعاراً بالمسؤولية الوطنية وإيماناً بالثوابت وبالهوية وبالقيم الأخلاقية المنبثقة من نور الإسلام الحنيف كما قال الحبيب المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقوله أيضاً: (أتاكم أهل اليمن كقطع السحاب هم خير أهل الأرض).

أترك تعليقاً

التعليقات