أحلام عبدالكافي

عذراً أماه قد سمعتُكِ وأنتِ تنتحبين بكاءً لفقدي.. شعرتُ بنبض فؤادكِ الملهوفِ قهراً وأنتِ تحتضنين جسدي المبتور بين ذراعيكِ..
أماه عذراً.. لم أستطع أن أبادلكِ الوداع بعناقٍ واحتضان.. ولم أستطع تقبيل جبينك الطاهر قبل رحيلي الأليم عنكِ والدتي.. 
كان صاروخ القاتل أماه، أسرع من كل تلك المعاني المتدفقة بين حنين أمٍّ لطفلتها، وكانت وحشية إجرامهم أقدر على انتزاعي من حضنك الدافئ يا والدتي الحبيبة.. 
أعلم أن فراقي إياكِ قد تسبب لكِ بآلام كثيرة وبحرقةٍ مريرة.. لكنه الموت.. لكنه الموت أماه.. من كان راحة لجراحي وآلامي الموجعة التي لم يستطع جسدي الصغير تحملها، بل لم أقوَ (أماه) على رؤية ذراعي المبتورة وقد اقتلعها السفاح من جسدي بتلك الوحشية التي كان وقعها عليّ أكبر من أن يتحملها قلبي البريء..  
فوا أسفاه أماه.. على طفولتي المذبوحة دونما بواكٍ عليها.. ويا أسفاه على الإنسانية المدفونة تحت ركام الفناء.. كان الفراق رحمةً لأحزاني، فقد آثرتُ الرحيل موتاً بعدما أماتني العدوان كمداً.. 
أماه.. سمعت أنينَك الممزوج بقولك رباه رحماك قتلوا ابنتي الصغيرة.. سمعتُ صراخك المذبوح بقولك رباه غوثاه أين ابنتي.. فلا تحزني أمي الحبيبة، وألتمس منك العذر لأني من كنت سبباً لأوجاعك المؤلمة.. صبراً أماه.. صبراً أماه.. إن الله مع الصابرين.. 
وداعًا يا فلذة القلب الحزين.. تودعكِ دموعي غاليتي، وتبكيكِ كل آهات الطفولة.. أودعكَ وكلي آلامٌ وجراحٌ مريرة.. كيف لي أن أقوى على فراقك صغيرتي يا مهجة القلب العليل..
أغمضتِ عينيكِ كمداً، ورنوتِ ببصرك بتوجعٍ وأنين، وصعدتِ بروحك الطاهرة إلى أعلى عليّين.. وبقي جسدك الصغير المذبوح ليوارى الثرى في عالمٍ قتلك ظلماً وعدواناً.. 
رحلتِ يا وردة اختطفها المجرم واقتلع وريقاتها المزهرة.. فأبيت إلا أن تحلقي كفراشةٍ مجروحةٍ نحو السماء.. رحلتِ مسرعةً دونما أسفٍ على قبح هذا العالم الموحش الذي امتلأ جوراً وظلماً..  
كان جسدك الطاهر المضرج بالدماء وصمة عارٍ في جبين هذا العالم المنافق.. وكانت ذراعك المبتورة بفعل صاروخهم الوحشي شاهدة على مجزرةٍ كان هدفها البغيض انتزاعَ روحِك الصغيرة من بين أحضان والدتك المكلومةِ يا (هيلة).. ها هو كفنك الأبيض قد التف سريعاً على جنبات جسدك المبتور الممتد على صرح الأموات، ليعجل برحيلك عن هذا العالم الشيطاني.. 
نأيتِ بعيداً إلى ملكوت طاهرٍ لا يوجد فيه ذئابٌ بشرية.. ذهبتِ إلى عالمٍ لا يشبه هذا العالم المريب.. رحلتِ لتحمّلي هذا العالم المنافق ثمن سكوته وخنوعه حيال جرائم الطفولة المذبوحة في اليمن..  
فوا أسفاه.. ويا حزناه.. حين كان جسدك الصغير طفلتي الغالية هو من دفع الثمن.. وحين أصبح قلبي المحزون هو من سيظل يبكيك يا (هيلة) حتى يأخذني الحنين إليك ابنتي ومهجة الروح، لأضمك بين ذراعي من جديد.. سأظل أنتظر اللقاء صغيرتي.. فمتى اللقاء؟

أترك تعليقاً

التعليقات