رسالة إلى أحزاب اليسار
 

عبدالله الأحمدي

نذكركم لعل الذكرى تنفع المؤمنين. لقد انخرط الكثير منكم في الحرب الداخلية، وتورط في تأييد العدوان الأجنبي على البلاد. ودائماً في السياسة تحسب الأمور بالربح والخسارة، وبالعواقب التي تعود على البلاد. سنطرح عليكم، وعلى غيركم سؤالاً مهماً هو: من هو الرابح في هذه الحرب المدمرة؟ ونترك الإجابة للتاريخ، أو لكم. 
يقال إن الحروب هي مخرج للقوى المأزومة، تهرب إليها من الاستحقاقات الوطنية، فإذا كانت القوى التقليدية هي التي هربت إلى الحرب، فلماذا لحقت بها الأحزاب اليسارية من اشتراكيين وقوميين وغيرهم؟ هل هم أيضاً يعانون من نفس أزمة القوى التقليدية؟! 
أعتقد أن اليسار قد غادر يساريته، وقوميته، واشتراكيته، وأصبح شبيهاً الى حد ما بالقوى التقليدية، التي يقاتل البعض في صفوفها، ويقف إلى جانبها. اليسار في هذه الحرب هو الخاسر الأكبر بعد الوطن. أنا أتكلم هنا عن الخسارة العامة في البرنامج، والتراكم الديمقراطي والحضاري، والنضالي، وليس على مستوى المكاسب الآنية، والشخصية. لقد تحولت هذه الأحزاب الى مليشيات تلهث وراء المال والسلاح، وتركت البرامج والتطلعات الجماهيرية وراء ظهورها، بل قل إن كل الأحزاب انتهت في البلد، ولم تبق إلا بعض الشراذم في تعز، والديناصورات في فنادق الرياض وإسطنبول والقاهرة. المنتصر في هذه الحرب هو القوى التقليدية، والجماعات الإرهابية التي ولدت من رحم هذه القوى في ما بعد حرب 94، وقبلها. أما الخاسر الأكبر فهو الوطن الذي يتمزق، ويقع ترابه تحت حراب الاحتلال الأجنبي، وتم التفريط بسيادته وثرواته. 
لقد انتصرت المشاريع الصغيرة في البلاد، ففي المناطق الواقعة تحت الاحتلال، أو ما يسمونها المناطق المحررة، هناك الكثير من الإمارات والدويلات وأمراء الحروب، ومشائخ الدجل، وتسمع من ينادي بدولة دينية، وأخرى طائفية، أو مناطقية، وتعيش هذه المناطق فوضى عارمة، تستباح فيها الدماء والحقوق والحريات، وينعدم فيها الأمن والأمان والخدمات. بحسبة بسيطة: أكثر من 80% من مدارس مدينة تعز تحولت الى معتقلات، وسجون وثكنات، ولأكثر من عامين حرم مئات الآلاف من التلاميذ والطلاب من التعليم. هذا مؤشر لمشروع تجهيل.
لقد تخلى اليسار عن برنامجه، وخسر الشباب ثورته، ووصل الأمر الى نهب وحرق مقرات أحزاب يسارية مشاركة بالمقاومة كالاشتراكي في تعز، بل إن قيادات وكوادر يسارية تمت تصفيتها كما هو الحال في عدن والبيضاء والضالع، وتعز، إذ تمت تصفية صالح العواضي سكرتير الاشتراكي في البيضاء، وأربعة من شباب الاشتراكي في عدن بتهمة الإلحاد، وآخر التصفيات كانت لعضو لجنة مركزية في الضالع. أما في تعز فالذين تم اغتيالهم من كوادر الاشتراكي بلا عدد. ومن العجيب أن يختطف أعضاء في اشتراكي تعز، قبل أكثر من سنة، ويظلوا في الإخفاء القسري حتى اليوم، مثل أيوب الصالحي، وأكرم حميد، المخفيين لدى فنادم الإخوان.. من ينظر الى واقع الوطن والمواطن يشعر بالحسرة على ما وصلنا إليه من تمزق وضياع. 
أستطيع القول إن اليسار دخل الحرب دون حسابات، وجنى على نفسه في الحرب تحت لواء أعدائه التاريخيين. 
اليوم هناك طبخات تدار وراء الكواليس بين القوى التقليدية، يغيب فيها اليسار، المؤامرة والحرب، كلها من أجل إزاحة اليسار وضرب فكرة الدولة المدنية. 
في بداية العام 2016م التقى نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي الدكتور المخلافي، بكوادر حزبه في الرياض، وعندما علمت السلطات السعودية بذلك احتجت على ذلك الاجتماع لدى فنادق الشرعية. وعندما حاولت بعض أحزاب الرياض إعلان تكتل مؤيد للفنادق، واستأجرت للاجتماع قاعة في الرياض، منعتها أجهزة الأمن السعودية من ذلك. السعودية التي تقود الحرب ضد اليمن، لا تريد دولة ولا أحزاباً، هي تتعامل مع عملائها من المشائخ والعسكر ورجال الدين، ولا تعترف بغيرهم. أعتقد أن اليسار لازال بيده القليل من الأوراق للخروج من هذا النفق المظلم، إن أراد. 

أترك تعليقاً

التعليقات