الواقع حين نخفق في تطويعه
 

زياد السالمي

مقاربة الواقع للفهم ما أمكن ليس بالسهولة التي قد يرجوها المهتم، وفي ظل ذلك ليس أمامك سوى المحاولة الاستقرائية، مع أن الأمر ليس مستحيلاً طالما وجدت مقومات العمل، بينما لو حاول أحدهم سيجد نفسه ليس مرغوباً لدى مفرزات الواقع، ما يجعله في عزلة قسرية مفروضة إما عن الآخرين، وإما عزل الآخرين له، لأن الذائقة لم تعد تحمل المعيارية كما يتحكم بها التوجه الذي هو الآخر يفتقر للأيديولوجيا.. ربما يحاول وضع أيديولوجيا لأي من التوجهات المطروحة لعلها تتماهى مع حتميات الحال وطموح الافتراض، إلا أن ما يلمسه ذلك الفاعل هو الإقصاء والإهمال حتى من ذوي المصلحة.
كنت دائماً أقول، وفي قولي نوع من المبالغة المرفوضة من الوعي الجمعي لعدم الرغبة باستيعاب مثل ما سأقوله أو للكسل أو لعدم استشعار الخطر إذا استمر الحال على هذا المنوال، كنت أقول إن أي واقع ملموس حتى وإن كان سلبياً أو غير مألوف، يقتضي من الجميع ليس نبذه أو تشويهه، بل تهذيبه وتأهيله بما يوائم الظروف المجايلة، ومن ثم تحويله إلى جدوى يستفيد منها المعني بعيداً عن ضيق أفق الانفعال، بل نجعل من ذلك الانفعال حافزاً ودافعاً قوياً بما يملك من طاقة احتمالية لصبغ ذلك الحيز الوجودي بصبغة إيجابية قد يصير ذخراً وطنياً نافعاً بدلاً من الهدم والتحطيم.
أدرك أن هذه المسؤولية يقع جانب كبير منها على النخب السياسية والدينية والثقافية، كل بدوره المنوط، مثلما يحتاج إلى الجهد بقدر ما يحتاج إلى الإخلاص.. أوليس الأحرى بنا الاستفادة من الغرب الذي استطاع تحويل كل ما كان يهدده إلى أداة تخدم بقاءه ومصالحه على سبيل المثال كحدث حي الحركات الإسلامية المتشددة (إرهاب؛ داعش)، وكيف حرفتها عن الغاية التي وجدت من أجلها لتعيق أية دولة عربية قد تشكل تهديداً، والسبب يكمن بوجود مقومات التحويل إلى جانب التفاني والإخلاص وبذل الجهد.. فيما نحن نفقد هذه الأشياء من أيدينا لحظة تحكيم العاطفة والاستواء على قصر الرؤية بالتخوين والإهانة، ونفي ذلك الواقع واضطهاده، ما يجعله أشد عدوانية وأشد سلبية. ومن ثم تجد البعض يندب ويلوم ويسأل عن التعايش، حال ولا أوجع. 
كما يظهر الإخفاق جلياً من خلال ترسب وركود التحليل وإسقاط الشخصية دون الحدث أو السلوك ونبذ التقييم للأداء جراء الأحكام المسبقة المغلفة بمصالح ضيقة ناتجة عن توجه أو مكون لم تكتمل معالمه لما سبق توضيحه. كل ذلك من بذرات غياب الوعي الراجح في المجتمع وذوبان الرأي المحايد في كنف التعصب والأهواء التي لا تبني بقدر ما تفضي إلى الانهيار الاجتماعي. ومن ثم تظهر الهوية ضمن سياج سلبي لا يبشر بأمل.. فكيف إذن نأمل بغدٍ توليفاته تبعث الأسى والضياع، ما لم يضع الجميع بلا استثناء على عاتقه مسؤولية الوجود والبقاء بالبحث والاستقراء بدون أية عواطف أو نوازع غير تفضيل الوطن على ما سواه. هيهات.

أترك تعليقاً

التعليقات