محمد ناجي أحمد

تتبدى صورة السعودية كأسرة مالكة في مذكرات جيمي كارتر، الرئيس التاسع والثلاثين للبيت الأبيض، بصورة الضعيف الذي يبحث عن القوة العظمى؛ طالباً حمايتها. لهذا فهي دائمة التصرف بما يلبي ويرضي الولايات المتحدة الأمريكية.
عندما أعلن عيدي أمين، رئيس أوغندا، عام 1977م، أنه ممنوع على الأمريكيين الدخول أو الخروج من دولته، وكانت إدارة الرئيس كارتر قلقة جداً من هذا الموقف الذي يحمل تهديداً، كان عيدي أمين غاضباً من تعليقات كارتر بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، (وهدد أمين أكثر من 100 من المبشرين العاملين في أوغندا. في النهاية، وبسبب الضغط الذي مارسته المملكة العربية السعودية، وافق (أمين) أخيراً على السماح لهم بمغادرة أوغندا، إلا أنهم رفضوا عرضه، وتفرقوا لمواصلة عملهم في الدعوة المسيحية). ومن المعروف بداهة أن وسائل الضغط السعودي هي تقديم المال لعيدي، فهي الصندوق المالي الذي تستثمره الإدارات الأمريكية في صناعة الإرهاب ورشوته في آن إذا أصبح خطراً عليها!
يأمل كارتر وقتها في إدخال السعودية إلى (أوبك)، ولقد نجحت أمريكا في ذلك، والسعوديون أبدوا كل تعاون وميل لكي يكونوا جزءاً من الجسم صانع القرار السياسي الذي يخدم مصالح أمريكا، في العديد من القضايا السياسية والاقتصادية، ومنها تخفيض أسعار النفط بإغراق الأسواق به بما يتجاوز الكميات المحددة من منظمة الأوبك، ودعم وتمويل التطبيع والاستسلام للكيان الصهيوني. ففي الوقت الذي كان فيه رابين رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني، في 7 آذار مارس 1977م، طلب كارتر منه إعطاءه خطوطاً عريضة لما يريده من إدارته: (كنت آمل أن يعطيني بعض الخطوط العريضة لما تأمل إسرائيل في إحرازه في نهاية المطاف من خلال تسوية دائمة للسلام)، لهذا تحرص الإدارات الأمريكية، ومنها إدارة كارتر التي توصف باهتمامها بحقوق الإنسان، على وجود أكبر عدد من اليهود الأمريكيين، الداعمين لإسرائيل، في البيت الأبيض، فكارتر ظل (محاطاً بالمسؤولين الرئيسيين الذين كانوا مستشارين أقوياء وأهلاً للثقة في نظر المجتمع اليهودي الأمريكي).
إن صورة السعودية في مذكرات البيت الأبيض على النقيض من صورة إسرائيل، ففي الوقت الذي يسعى الرؤساء في أمريكا لإرضاء رغبات إسرائيل سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، تأتي صورة السعودية على النقيض من ذلك، فهي التي تسعى إلى إرضاء أمريكا بالمال وشراء بعض الأصوات داخل الكونجرس الأمريكي عند التصويت على بعض القوانين والاتفاقيات التي يريد البيت الأبيض إجازتها، ومن ذلك اتفاقية بنما، وقد كان السيناتور (أبو رزق) رافضاً لتلك الاتفاقية، اتصل الأمير سلطان بالرئيس كارتر ليخبره أن (أبو رزق) سيصوت مع الاتفاقية! يقول كارتر: (لم أرد أن أعرف أبداً كيف أقنع السعوديون (أبو رزق) بتغيير رأيه). لكنهم في ما يخص إسرائيل كانوا داعمين لكل الخطوات الاستسلامية التي نهجها الرئيس المصري السابق أنور السادات، ونائبه حسني مبارك، من أجل الوصول لاتفاقية كامب ديفيد، وإن أظهرت نفسها إعلامياً بموقف المتحفظ عليها!
يذكر كارتر أن الاتفاق مع مصر السادات على ما سماه (السلام في الشرق الأوسط)، كان الحوار فيه يجري بمعرفة وشراكة سعودية، وأنه كان يأمل أن يتم السلام بين إسرائيل ومصر وسوريا والأردن، بمشاركة سعودية. بل إنه يصف موقف الملك حسين من الاتفاقية بالمعرقل والمشاغب، ولهذا ربما تم التسريب للصحافة الأمريكية عن تقاضي الملك حسين راتباً شهرياً نظير ما سماه كارتر معلومات استخباراتية، ومن أجل ضمان ولاء القبائل في الأردن...
التقى ولي العهد السعودي فهد بن عبد العزيز، عام 1977، ومعه الأمير سعود، بكارتر في البيت الأبيض (فالسعوديون صريحون جداً، يتحدثون بسهولة، ويريدون الصداقة معنا، معتمدين اعتماداً كبيراً علينا في ما يخص أمنهم العسكري... لكنه ـ أي فهد ـ استمر في إظهار الثقة بأنه يمكننا إحراز تقدم خلال عام 1977) بخصوص السلام مع إسرائيل!
يلهث السادات والكيان السعودي نحو ما يسميه كارتر والإدارات الأمريكية سلاماً، وهو استسلام من طرف واحد، وإسرائيل تطالب بالمزيد من التنازلات دون أن تقدم شيئاً مقابل تلك الهرولة! وتقف أمريكا داعماً قوياً لها، يقول كارتر: (فمنذ تأسيس إسرائيل عام 1948م، كان كل رئيس أمريكي -بمن فيهم أنا -داعماً قوياً لهذا البلد. لقد قمنا بحماية إسرائيل من قرارات الأمم المتحدة الحرجة، واستخدمنا نفوذنا في حق النقض في مجلس الأمن. وكنا كرماء في المعونات المادية... بالإضافة إلى ذلك، ولسنوات عدة، كنا نرسل إلى قوات الدفاع الإسرائيلية بعضاً من أسلحتنا الأحدث والأكثر تدميراً، بما في ذلك القنابل العنقودية. وتحظر قوانيننا استخدام هذه الأسلحة لأغراض هجومية... تجاهلت إسرائيل هذه القيود عندما هاجمت لبنان، وخلال الهجوم المتواصل على غزة في يناير 2009م).
تخشى السعودية ـ بحسب كارتر ـ من نشوب صراع في الشرق الأوسط (صراع قد يمتد إلى المملكة السعودية المناهضة بشدة للشيوعية، والحريصة على إرضائنا تقريباً في كل ما نطلبه)، ولهذا تدخلت السعودية في أفغانستان، مجندة من سمتهم المجاهدين من كل العالم الإسلامي، بل ومن أوروبا، إرضاءً لأمريكا، فدخول الروس إلى أفغانستان ـ بحسب تعبير كارتر ـ تهديد مباشر للولايات المتحدة الأمريكية، تماماً كما هو حاصل اليوم في سوريا والعراق وليبيا واليمن، فالسعودية بأفعالها وأموالها إنما سُخِّرت لإرضاء أمريكا، ولهذا تكتفي بإبداء (القلق) أو الشعور بـ(الانزعاج) من جرائم الحرب التي ينفذها الكيان السعودي في اليمن، طيلة ما يقارب العامين!
في مباحثات كامب ديفيد كان السادات يقدم التنازلات، وكان (بيغن) يطلب المزيد، وكانت الإدارة الأمريكية تطالب السادات بمزيد من عروض البيع المغرية، لأن (بيغن) بحسب توصيف السادات (صعب الاقتراب منه)، وأنه (عنيف) ويميل إلى (الرجوع إلى الوراء) بدلاً من (النظر إلى الحاضر والمستقبل)! لهذا فإنه (لا مناص) من أن تصبح كامب ديفيد (فخاً) لـ(بيغن)! لكن تاريخ الأحداث التي تلت أثبت أن اتفاقية (كامب ديفيد) كانت فخاً للعرب.

أترك تعليقاً

التعليقات