محمد ناجي أحمد

بعنوان (التجمع اليمني للإصلاح -النشأة والمسار)، كتب محمد قحطان، النجم السياسي لتجمع الإصلاح، لأكثر من عقدين، والرائد كرتبة عسكرية في صفوف الجبهة الإسلامية بين عامي 79 و82م، في حروب المناطق الوسطى ضد الجبهة الوطنية، وصرفت له الرتبة تكريماً لجهوده ضد الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى، ومن ضمنها العدين قريته الأشد معاناة من المشيخ والسخرة! في مقاله التأسيسي يشير قحطان إلى عديد مغالطات وتأسيسات فكرية كاشفة، منها: أن الإصلاح كتجمع هو امتداد لطوره الأول لولي الله الدهلولي والشهاب الألوسي وفي نجد لمحمد بن عبد الوهاب! وهذا يعني أن طور النشأة والتأسيس عند دعاتهم الأولين مرتبط بعملاء وصنائع الاستعمار البريطاني أو المملكة التي لا تغيب عنها الشمس... في الهند والعراق ونجد!
يشير قحطان إلى أن الشوكاني محلياً مؤسس لدعوتهم الإصلاحية. والشوكاني كان سلفياً ومبايعاً لمجايله ابن عبد الوهاب، لولا تهديد نجد لسلطان إمامه في صنعاء، حينها كان الفراق والافتراق في المصالح، لا في المعتقد!
في مرحلة الإصلاح الرابعة من عام 73 إلى 83م، بارك قحطان للأشهر الأولى من حكم الحمدي، ففيها حصادهم من مكتب التوجيه والإرشاد ورئاسة المعاهد العلمية والهيئة العلمية التربوية، بعد ذلك تكون القطيعة مع ما وصفه بـ(استكمال حلقات الاختلاف مع أغلب مكونات الحركة الوطنية، اتجه للناصريين، ثم ظهر أنه يريد إعادة ترتيب الأوراق مع الحاكمين في الشطر الجنوبي من الوطن...). من الواضح أن الإخوان المسلمين وحلفاءه في تجمع الإصلاح، يعون مشروع الحمدي في التدرج والانتقال إلى دولة وطنية بعدالة اجتماعية ووحدوية ذات سيادة، لكن إخواننا رفقاء اليسار الماركسي تنقصهم الشمولية والإحاطة والبصيرة، فلا ينقبون سوى عن خلافات تكتيكية على حساب الهدف العام!
يكتب قحطان بلغة مخاتلة مواربة عن (تصفية الاتجاه الإسلامي داخل الجبهة القومية)، وأنا أسأله عن رموز مؤسسة للجبهة القومية سواء في اجتماع دار البشائر أو في الأعبوس أو في جبلة وغيرها، من هم رموز الاتجاه الإسلامي في الجبهة القومية؟ أعرف المجعلي وغيره من رموز قومية ناصرية، لكن اتجاه إسلامي داخل الجبهة القومية! فهذا إنشاء مخل ومعيب بمقالة بحثية، إلا إن قصد صاحب المعهد الإسلامي الوهابي محمد سالم البيحاني، فلقد كان يومها ضداً للجبهة القومية، وفتاواه في إذاعة عدن صوت الاستعمار وقتها، تجرم العمليات الفدائية التي خطط ونفذ لها كوادر الجبهة القومية، ولم يكن يوماً مع الجبهة القومية، بل خصيمها المبين، وعميل الاستعمار الديني!
في مقاله الإنشائي والتأسيسي هذا يتحدث قحطان عن معركة الدستور بداية التسعينيات، بأنها لم تكن مجرد اعتراض على المادة الثالثة، التي كانوا يطالبون بتغييرها إلى (الشريعة الإسلامية مصدر وحيد للتشريع)، وإنما منظومة إصلاح دستوري متكامل! لم يقل لنا قحطان ملامح وعناصر تلك المنظومة، فملصقاتهم كانت حرباً للمادة الثالثة فقط لا غير، وهي مادة تترك متسعاً للإنسان في التشريع، متسعاً وليس احتكاراً!
وهو مع ذلك يصف انتفاضة 9-10-11 ديسمبر 1992م، بأنها إحداث شغب! انتفاضة شعب، بل تأسيساً لانتفاضات الشعب اليمني التي انطلقت شرارتها في ذلك التاريخ من تعز وإب وذمار وصنعاء والحديدة، لتشمل بعدها بسنوات عدن ولحج والضالع وحضرموت! يصفها قحطان كأدواته في الأجهزة القمعية بـ(أحداث شغب)!
الخلاصة: سيحتفظ تجمع الإصلاح بوجوده الجماهيري طالما استمر أكثر طواعية لكل متطلبات المرحلة... إخوان اليمن لن يتم تصفيرهم، وإنما تعديل مسار حركتهم بما يشبه وأكثر، دور رئيسهم السابق الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رجل مملكة آل سعود الأول في اليمن طيلة نصف قرن من الزمان، وهم أكثر طواعية لتغيير المسارات، ولو بدرجة قصوى 360 درجة، أي العودة إلى الطور الأول للنشأة عند الشوكاني مع مجايله محمد بن عبد الوهاب!
تجفيف الروح 
استهداف الآثار التي تعود إلى عهد الدولة الرسولية، ليس وليد اليوم، فلقد قام الإخوان المسلمون من خلال إدارتهم للجمعية الخيرية التابعة لبيت هائل سعيد أنعم، بهدم الكثير من المساجد التي تعود إلى هذه الحقبة التي تميزت بالعلم والتصوف والإدارة، وامتدت باسطة نفوذها على أغلب الأراضي اليمنية.. على سبيل المثال، كان الجامع الكبير في (ثعبات) من أهم مساجد الدولة الرسولية بعد المظفر والأشرفية، فهو الجامع الذي بني في مدينة الملوك (ثعبات) بفتح الثاء أو ضمها، ودون مبرر لهدمه قاموا بإزالته في ثمانينيات القرن العشرين، وبنوا بدلاً عنه مسجداً وهابياً، من مخرجاته العديد من المقاتلين الذين ينتمون للجماعات الجهادية، إخواناً وسلفيين...
وفي الآونة الأخيرة، قاموا بهدم ضريح ومسجد الشيخ عبد الهادي السودي، بكل جلالة المكان، وكثافة المعنى والتاريخ والأحداث، وهدوئه وجمالياته وعبق الروح وأحوال أهل الأشواق فيه ومقام التلاشي للزمان والمكان.. مؤخراً كانوا يتحدثون عن (منتزه الملك الرسولي المؤيد) على أنه قبر الحاخام اليهودي اليمني الشبزي، في تمهيد لهدمه، علماً أن رفاة الشبزي الذي كان موجوداً في حي المغربة شرق قلعة القاهرة، قد نقل إلى إسرائيل في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وما تلك القبة أسفل قلعة القاهرة من الجهة الجنوبية، سوى منتزه المؤيد، الذي يطل على بركة ماء ومدرجات كانت زراعية تنحدر إلى الأسفل نحو (وادي المحبة)...

أترك تعليقاً

التعليقات