اليمن وصراع الهيمنة
 

محمد ناجي أحمد

من البديهي أن الدولة هي عنوان السيادة لأي بلد كان، لهذا حرصت القوى الإقليمية والدولية على إبقاء الدولة في اليمن في حالة هشة ورخوة، مما يسهل إسقاطها متى ما شعرت هذه القوى أن زمام الأمور ستفلت من يدها. مثّلت انتفاضة 11 فبراير 2011م مؤشراً على هذه الإمكانية، خاصة وأن التناقضات داخل بنية النظام الحاكم يمكن أن تصل بالأمور إلى سقوط النظام بكل مكوناته وتوازناته، ونشوء نظام أساسه المواطن والمواطنة وعدم التفريط بسيادة ووحدة الأراضي اليمنية...
لم تكن جماهير 11 فبراير منظمة، وإن كانت في حالة اندفاع يمكن السيطرة عليه، وتوجيهه، والاستفادة من مشاعر الرفض لديها، والتي أساسها مطالب تتعلق بالحياة الكريمة، في حقهم بالعمل والتطبيب، والتعليم والمشاركة السياسية على أساس المواطنة وليس المحاصصات بين موازين القوى، وأمراء الحروب. لهذا ظل الصراع منضبطاً ومسيراً بموازين القوى التي تحتكر المال والسلاح والحشد الجماهيري. من هنا كانت رسالة الرئيس السابق علي عبد الله صالح لشركائه في الداخل، وللاعبين الدوليين والإقليميين، في 2011م، حين قال: (لا أحد يقدر يلوي ذراع الثاني)، والتي ظل يرددها طيلة سنوات توازنات الضعف التي بدأت بصراع سياسي في انتخابات 2006م، وانتهت بصراع مسلح، توظف فيه الجماهير في عمليات الحشد والنفير...
وعبارة صالح تظل صحيحة ودقيقة طالما أن الصراع محكوم بالقوى الحاكمة والمسيطرة، فدلالة مصطلح الشعب سيظل غفلاً ما لم يترجم إلى حراك فكري وعملي على الأرض، وبمشروع وطني لا يتزعزع إيمانه بثوابته الوطنية والعربية والإنسانية...
إن أزمة النظام المحتكر للسلطة والثروة هي غياب التوافق، وإن شرعية بين الأطراف المعنية هي شرعية توافقية لا جماهيرية، وهو ما مثلته التسوية الخليجية في 2012م، والتي جاءت بعبدربه منصور هادي كرمزية على هذا التوافق، يستمد شرعيته من موقعه الفخري الجامع للقوى، لا أن يتحول إلى قوة مخلة بالتوافقات! وهي توافقات جذرها التاريخي يعود إلى ما قبل ثورة سبتمبر، واستفادت أكثر من سقوط المملكة المتوكلية في 26 سبتمبر 1962م، والتي كان من مبررات قيام الثورة، القول بأن الإمام محمد البدر أعلن استمراره على نهج أبيه في الحكم، ومع أن الثابت في خطاب العرش الذي ألقاه في 20 سبتمبر 1962م، تحديده لخطوات إصلاحية منها: مراعاة القانون، ومساعدة الضعفاء، وإرساء أسس العدل، وإيجاد قوانين يصبح خلالها المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات، وأن كل مواطن سوف يحصل على الامتيازات بقدر مكانته في الوطن، ولعلّ (الامتيازات بقدر المكانة) هو ما راكمت عليه قوى المشائخ والقضاة وكبار الضباط والتجار، جهودها بعد أن انقلبت على بقية الخطوات الإصلاحية التي أعلنها الإمام محمد البدر! فتحاصصت السلطة العليا سواء في مجلس قيادة الثورة أو مجلس الرئاسة أو الحكومة والجيش، والامتيازات الاقتصادية والاجتماعية...
لقد استمرت السعودية بأطماعها في اليمن منذ الدولة السعودية الأولى في القرن التاسع عشر، ولم يعمل على إيقاف أطماعها وزحفها على عسير سوى حملة محمد علي باشا، وإرساله ابنه إبراهيم باشا، الذي أسقط السعودية وأطماعها، وجعلها مجرد إمارة صغيرة تابعة في ولائها لمصر، وفي عهد جمال عبد الناصر كان تحرك مصر تخطيطاً وتمويلاً، وترسيخاً للنظام الجمهوري في اليمن، خطوة استباقية، فالسعودية كانت قد أعدت خطتها لإسقاط المملكة المتوكلية منذ عام 1961م، لكن مصر عبد الناصر كانت الأسرع والأقدر، وهو ما قطع الطريق على أهداف الكيان السعودي في اليمن، وهي أهداف بريطانية أمريكية، تأجلت حتى عام 1970م، بما عرف وقتها بالمصالحة الملكية الجمهورية، وبسبب ما يطرأ من عصيان، وعدم انصياع لرغباتها وأهدافها، كانت مآلات حركة 13 يونيو باستشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي، وتصفية رموز نظامه، ولأن الوحدة اليمنية مثلت تمرداً وعصياناً بما تعنيه من جيش حديث وسيادة واشتراط للوحدة بالديمقراطية، كان الإعداد والتنفيذ لإعادة اليمن حديقة وإصطبلاً خلفياً للكيان السعودي...

أترك تعليقاً

التعليقات