الإسلام الثوري ووعّاظ السلاطين
 

محمد ناجي أحمد

ينظر الإسلام الثوري لقيمة العدل، على أنها القيمة الإنسانية التي ترتكز عليها النبوات، في كل خطواتها وامتداداتها وتشريعاتها وتطبيقاتها، فيقرر أن قضية الدين هي العدل، فلا دين بلا عدل، في جميع تطلعات الإنسان وقضاياه، فالعدل لا يخص المسلم تجاه المسلم، بل يلتقي المسلم والكافر في استحقاق العدل، فلا يجوز للمسلم أن يظلم الكافر، مهما كانت درجة كفره، وعلى الحاكم أن يحمي الكافر من ظلم المسلم، كما يرى ذلك العلامة، المفكر محمد حسين فضل الله، في كتابه الاجتهاد/2009.
يؤكد الإسلام الثوري فكراً وحركة على رفض الظلم والركون إلى الظالم، والسكوت على فعل المنكر، وترك المعروف، مما يجعل المجتمع في سياقه الثوري، لكن الإسلام الوهابي كمعتقد وحركة تقوم بوظيفة صولجان السلطان، ومملأة الحاكم الظالم، بل وأداة ترويض وتخدير بيد الملوك والرؤساء المستبدين بالأمر والمال، يسومون به طبقات الشعب المسحوقة سوء المهانات!
لهذا وجدنا محمد بن عبدالوهاب ودعوته كيف تعاضدت مع أسوأ ملك ومملكة استأثرت دوناً عن جماهير نجد والحجاز، والوطن العربي، لتنفق تلك الثروة الهائلة من ريع النفط والسياحة الشعائرية لصالح مشاريع ومخططات الغرب في المنطقة العربية والعالم! وكيف تصادم الإخوان المسلمون مع مصر عبد الناصر ومشروعها الاشتراكي الوحدوي التحرري العربي، وطبّعت علاقتها مع من سمته الرئيس المؤمن أنور السادات، ووقفوا معه لضرب الناصريين واليساريين في الجامعات وفي المجتمع، وكانوا إلى صفه في انتفاضة رغيف الخبز عام 1977م!
بون شاسع بين إسلام قال للناس: المال والأمر شركة بينكم، وبين إسلام لسان حاله ومقاله، ما سطرته كتب التراث عن معاوية بن أبي سفيان، حين أتته امرأة لتراجع في حق من حقوق قومها، فعرض عليها رشوتها مقابل تخليها عن المهمة التي أوكلها بها قومها، وحين رفضت عرضه، قال لها: لقد أطمعكم ابن أبي طالب في هذا الأمر، وإني لفاطمك! بون شاسع بين إسلام من بكى حين رأى امرأة تعتاش لأطفالها رُطباً يتساقط من القوافل، فقال لها: والله إنك وأمثالك لقاتليّ غداً؛ أي أنه سيقتل لخروجه مطالباً بحقوق هذه المرأة وأمثالها من طبقات الشعب، وبين إسلام الإخوان المسلمين في اليمن، الذين أثروا وتحكموا طيلة عقدي الثمانينيات والتسعينيات، لأنهم خدروا الناس، وأوهموهم أن الفقر قدر الله، التسليم به من شروط الإيمان! لا سياسة الحكام واستغلالهم ونهمهم!
فرق بين إسلام العزة، وبين إسلام الخيلاء والتبختر، والتأفف اجتماعياً من الفقراء والفئات الاجتماعية المهمشة، بين إسلام يراه محمد حسين فضل الله: سمواً روحياً ينطلق إلى الآفاق، جامعاً بين تعمير الأرض إبداعاً وإنتاجاً وبين الحياة السرمدية كنتاج للإخلاص والإتقان في العمل كمناط للتكليف، وبين إسلام وهابي يؤمن أن المال حق للملك وشوكة للسلطان يؤتيه من يشاء ويمنعه عمن يشاء!
يردد الإسلام الثوري في مأثوراته (اللهم فكما كرّهت لي أن أُظلم فقني أن أَظلِ).
يصدق خطاب ماركس عن الدين بأنه (أفيون الشعوب) مع الإسلام الوهابي، لكنه يجانب الصواب مع الاسلام الذي يرى الدين (عنصراً فاعلاً في الثورة على الظلم في الداخل، وعلى الاستكبار في الخارج)، فمواجهة الظلم والاستكبار قضية عميقة الصلة بالالتزام الديني، حتى إن القيمة الدينية ترى في الحياد بين العدل والظلم، وبين المستكبرين والمستضعفين، قيمة سلبية، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، وترى الالتزام بقضايا الحق والعدل قيمة إيجابية (كن للظالم خصماً وللمظلومين عوناً).

أترك تعليقاً

التعليقات